أبوظبي (الاتحاد)
للمرة الثالثة على التوالي يحصل شاعر سعودي على لقب «أمير الشعراء» في الموسم الثامن الذي انتهت المنافسات بين شعرائه ليلة أمس الأول، وذلك بفوز سلطان السبهان الشمري، والذي سبقه إلى اللقب في الموسم السابع الشاعر إياد الحكمي، وفي الموسم السادس الشاعر حيدر العبدالله.
وتقدم السبهان على الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري، والشاعر المصري مبارك سيد أحمد، والشاعر السنغالي محمد الأمين جوب، والشاعر المالي عبدالمنعم حسن محمد، والشاعرة المصرية هبة الفقي.
وبعد جمع درجات لجنة التحكيم مع درجات تصويت الجمهور؛ تمكّن الشاعر سلطان السبهان الشمري من الفوز بالمركز الأول، ليحمل لقب «أمير الشعراء» وبردة الشعر وخاتمه، ويحصل على جائزة نقدية مقدارها مليون درهم إماراتي، وحلّت في المركز الثاني الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري، وجاء ثالثاً الشاعر المصري مبارك سيد أحمد، وكان المركز الرابع من نصيب الشاعر السنغالي محمد الأمين جوب، وفي المركز الخامس حلّ الشاعر المالي عبدالمنعم حسن محمد، أما المركز السادس فكان من نصيب الشاعرة المصرية هبة الفقي.
وقد تم تكريم الفائزين من قبل معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح، بحضور اللواء الركن طيار فارس خلف المزروعي عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، وعيسى سيف المزروعي نائب رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية، وسلطان العميمي مدير «أكاديمية الشعر»، وأعضاء لجنة التحكيم سعادة الدكتور علي بن تميم، ود. عبدالملك مرتاض، ود. صلاح فضل، وكذلك الشاعر السعودي إياد الحكمي «أمير الشعراء» السابق.
طين الشمري
الشاعر سلطان السبهان الشمري كان أول شاعر في الأمسية، وقد ألقى قصيدته «أُغالِبُ فيّ الطين» التي أهداها لأولئك الذين يموتون من دون أن يشعر بهم أحد، وللنازحين، وللغارقين في عبّارة نينوى العراقية.
وقد وصف د. مرتاض القصيدة بأنها بديعة، وذات لغة معجمية جزلة وفخمة وقوية وعارمة، في حين أن ألفاظها الشعرية أنيقة وسلسة ورشيقة ومنسابة.
وقال د. صلاح فضل بأن سلطان وصل في نصّه إلى سدرة المنتهى، لكن الشاعر عندما وصل إلى شعريته فتش في الطين عن صوت آدم، وبحث عن إنسانية الإنسان.
وقال د. علي بن تميم إن سلطان جارى نص أبي الطيب المتنبي مجاراة فيها إتقان وعذوبة في المعاني.
زجاج المطيري
قصيدة «وحي الزّجاج» استدعت د. علي بن تميم لوصف قائلتها الشاعرة شيخة المطيري بأنها تعكس الشجن الشفيف والحب الذي يفارقه الأمل، ومن الأبيات التي ألقتها المطيري:
سماؤك آيات وعيناك مذهبُ/ فأسر بقلب في هواك يُعذّبُ
يراك عصيّ الوصل شيمتك الجفا/ وكلّ طريق نحو عينيك يصعبُ
وأشار بن تميم إلى أن الزجاج الذي ورد بدايةً في عنوان القصيدة يشير إلى الصلابة والشفافية، وكذلك إلى سهولة الانكسار، واصفاً شعرية النص بأنها زجاجية، وإيقاعها زجاجي.
ورأى د. عبدالملك مرتاض أن شيخة سمعت في مرآتها ناياً، ورسمت في قصيدتها صوراً أنيقة ورشيقة وشفيفة وبديعة، ووجد أن المسكوت عنه في قصيدتها أجمل من المنطوق به.
وقال د. صلاح فضل إن الشاعرة تحرّك بوصلة الشعر في اتجاه قيم ثقافية وحداثية مبتكرة، وتستلهم وحي الزجاج بشفافيته ومرآة الذات، وتجيد توظيف الموروث الشعري.
نهر عبدالمنعم
ثالث شعراء الحلقة كان الشاعر عبدالمنعم حسن محمد الذي ألقى نصّه «نهرٌ من صهيل». وعمّا قدمه قال د. مرتاض: إن الشاعر دبّج أبياتاً فائقات الجمال، وخصيبات الخيال، تسحر العقول والقلوب بالتيه والدلال، ولو كان الشعر من ذهبٍ؛ فإن شعر عبدالمنعم إبريزه ونُظاره. ووجد د. فضل أن عبدالمنعم يجرؤ على استخدام صيغةَ تداولٍ نقدها البلاغيون، تمثّلت بما قال جرير للخليفة عبدالملك (أتصحو أم فؤادكَ غيرُ صاح/ عشية همَّ صحبكَ بالرواحِ)، فوظّفها عبدالمنعم مرة أخرى، ومنحها شفافية وجمالاً جديدين. وقال د. علي بن تميم، إن القصيدة تحتفي باللون الأسود، وهو احتفاء يتبدى في اللغة والمجازات والصور والأخيلة، فجعل الشاعر من الأسود رمزاً للجمال، محاولاً تقويض التحيّزات التي يدعمها تاريخ ضخم من الشعرية العربية، ومقاومة مركزية اللون الأبيض وسيادته.
مبارك يمشي
الشاعر مبارك سيد أحمد ألقى قصيدته «نَمشي مَعاً» التي أهداها لأصحاب الهمم الذين شاركوا في أولمبياد أبوظبي 2019. ووصف د. صلاح فضل موهبة مبارك بأنها ناضجة، وذاكرته الشعرية قوية، وما يؤكد ذلك استحضار المتنبي والمعري في البيت الأخير من النص: (مشينا معاً، والشعر يُحصي وراءنا/خُطى– حين نمشيها – على الدهر تُكتب). ورأى د. علي بن تميم أن القصيدة تصور رحلة الشاعر في برنامج «أمير الشعراء»، وهي رحلة مملوءة بالطموح والآمال، والخوف من الإخفاق. ورأى د. مرتاض أن لغة الشاعر لا تزال تلاقي بعض العوائص في استعمال الشعرية، والتي كأنها تتأبى عليه، ومع ذلك فإن مبارك يتميز بصوته الجهوري وفصاحته التي تأسر المتلقي.
خريطة جوب
خامس شعراء الأمسية كان محمد الأمين جوب الذي حاز على إعجاب مطلق من أعضاء اللجنة بعد أن ألقى نصه «خريطة في جغرافية السلام».
ومما قاله د. علي بن تميم عن الشاعر وعن مجمل ما قدمه على مدار المسابقة: إن جوب في جميع قصائده التي شارك فيها كان مبدعاً ومتألقاً ونبيلاً، يتمسك بالإرادة والأمل والشاعرية العالية. وكشف بن تميم عن تبصر الشاعر في نصّه لمصائر الشعراء، بدءاً من الملك الضليل امرئ القيس الذي مات مسموماً، إلى لوركا الذي مات مقتولاً. وعبّر د. مرتاض عن انبهاره بشعرية جوب الإفريقية، وبإفريقيته الشعرية، معرباً عن أنه وجد في الشعر الذي قدمه جوب - ولأول مرة في المواسم الثمانية - يعلو على أي نقد.
وأضاف د. مرتاض إن الشاعر يمثل السنغال أجمل تمثيل بشعر ملفع بالخيال، ومضمخ بسحر البيان الحلال.
من جانبه أكد د. صلاح فضل أن الشاعر ظاهرة مدهشة على مدار دورات «أمير الشعراء»، فقد نبغ من السنغال شاعراً يتفوق على شعراء العربية، وهذا أمر مثير للدهشة والإعجاب الشديدين، وهو الذي جمع في نصه الأخير بين امرئ القيس ولوركا بجسارة، أما لغته فهي عجيبة ومجنونة، تبكي وتضحك خلسة.
قافية الفقي
الشاعرة هبة الفقي كانت خاتمة الأمسية، وهي التي ألقت نصها «قافِيَة ولهَى» الذي دعا د. صلاح فضل لوصف مستوى الشعرية عند هبة بأنه من نوعٍ يُطلق عليه شعرية التواصل الجمالي، وذلك لكونه قادراً على جذب المستمعين والمتلقين وعلى إمتاعهم بعوالمه وفتنته الخاصة، ومما قالته هبة في الأبيات الأولى من نصها:
ولغة هبة الشعرية - حسب د. عبدالملك مرتاض - عذبة الألفاظ، سلسلة الأصوات، وكأنها تمثل في نفسها شعرية إضافية لما تكتب، وأن الشاعرة قادرة على التحكم في اللغة، وعلى نسج شعر قوي طيع، فاللغة منقادة لها في غنج ودلال، ليتعانق غنج اللغة مع غنج الأنثى الشاعرة، فتخرج اللغة من سيرتها لتشكّل في الآخر شعرية تطفح وجمالاً ينضح، وهذا ما يوضحه البيت: (تَفِّر خُيوطُ الصَّبْرِّ مِّنْ بَيْنِّ أَحْرُفي/ وقافِّيَتي وَلْهى تَحنّ وَتَعْتِّبُ)
فيما قال د. بن تميم، إن العنوان «قافِيَة ولهَى» يقوم على نص يحتدم بالعشق ويضج بالثنائيات التي تقوم على الصراع والوفاق في ذات الوقت، وهو ما برز في كل مشاركات هبة الشعرية، فهناك جدلية العلاقة بين الصدق والكذب، والوله والصبر، والإقدام والتراجع، والأمنيات والعذاب، وهي ثنائيات رومانسية تذكّر بثنائية الفن والحياة التي جاءت في مسرح توفيق الحكيم، وأن الشاعرة تدير ثنائية الإبداع والشعر والعشق باقتدار، وتنحاز إلى إمارة الشعر من خلال بيتها: (وإن كان للعشّاق عرش وإمرةٌ/فإني إلى عرش الإمارة أقرب)، ما يدل على إبداع الشاعرة، وعلى حضورها البهي، وإلقائها الواثق.
«كتّاب الإمارات» أشاد بنزاهة «أمير الشعراء»
هنأ اتحاد كتاب وأدباء الإمارات الشاعرة الإماراتية شيخة عبدالله جاسم المطيري عضو مجلس إدارة الاتحاد، رئيسة الهيئة الإدارية لفرع الاتحاد في دبي، بفوزها بالمركز الثاني في مسابقة «أمير الشعراء». وقال الشاعر والكاتب الصحفي حبيب الصايغ، رئيس مجلس الإدارة الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب: «إن الشاعرة شيخة المطيري حققت بهذا الفوز الثمين مركزاً متقدماً للمرأة الكاتبة والشاعرة للمرة الأولى في تاريخ هذه المسابقة الرفيعة»، وهنأ الشاعر السعودي سلطان السبهان بتتويجه أمير الشعراء في هذه الدورة، وأشار إلى تفوق الشاعرة المطيري في درجات لجنة التحكيم، كما أشار إلى نزاهة الجائزة، وهو ما أكسبها هذه القيمة المضاعفة منذ انطلاقها.وتوجه بالتهنئة إلى الشاعرة المصرية هبة الفقي عضو اتحاد كتاب الإمارات على فوزها بالمركز السادس، وإلى كل من الشعراء، المصري مبارك سيد أحمد، والسنغالي محمد الأمين جوب، وعبد المنعم حسن محمد من مالي الفائزين بالمركز الثالث والرابع والخامس على التوالي.
نوستالجيا.. إياد الحكمي
ختام الأمسية كان مع ضيف الحلقة الشاعر إياد الحكمي «أمير شعراء» الموسم السابع من البرنامج، والذي ألقى قصيدة بعنوان (نوستالجيا)، والتي جاء في أبياتها الأولى:
غـــــــــداً إذا وجــــــــــد المنفــــــــــــيُّ تــربتَهُ
وزاد فـــــــي عمــــــــــرهِ قبـــــــراً ليثبتــــــــه
وصـــكّ بابـــــاً أخيـــــراً ثم ســــــار إلـــى
ضــــــوءٍ أخيــــرٍ وألقــى فيــــــه جثّتَـــــــه
وخطَّ سطراً أخيراً في الهوى ومحا
ومـــزّق الكاتــــــب الغيبــــيُّ صفحتــــَهُ
وأغمضَ القلبَ وانفضـــّت ملامحُهُ
وغابَ حتى اســـــــتعارَ الليلُ ظلمتَهُ
ومثـــــــلَ كلِّ غريــــــبٍ عاشَ منتظــــراً
ومــــات، يكمــــلُ في النســــــيانِ غُربَتَهُ
تذكّـــــــري أنّ طفـــــلاً مرّ فـــي عجــــــلٍ
وشــــــدّ مـــــــــن كلِّ ضوضــــــاءٍ تلفُّتـــــَهُ
الجوائز النقدية
حسب توزيع المكافآت المالية على الفائزين، فإن الفائز في المركز الأول يحصل على مليون درهم إماراتي، وصاحب المركز الثاني يحصل 500 ألف درهم إماراتي، أما الفائز بالمركز الثالث فله 300 ألف درهم إماراتي، وللفائز بالمركز الرابع 200 ألف درهم، وللفائز بالمركز الخامس 100 ألف درهم، في حين يحصل صاحب المركز السادس على 50 ألف درهم إماراتي.